مات المسيح. لكن جسده بقي معلقاً فوق الصليب حتى المساء. وطلب يوسف الرامي من الوالي بيلاطس إذناً ليرفع الجسد عن الصليب. وبمساعدة نيقوديموس الذي كان أيضاً تلميذاً ليسوع بالسر، أنزلا جسد يسوع من على الصليب ولفاه بكفن من كتان. وكان نيقوديموس قد أحضر معه أعشاباً زكية الرائحة فوضعها بين طيّات الكفن. ثم حملا جسد المسيح إلى حديقة مجاورة، ووضعاه في قبر جديد كان منحوتاً في صخرة. ودحرجا حجراً كبيراً ثقيلاً مستديراً على باب القبر.
وكانت هنالك أيضاً بعض النسوة، اللواتي أحببن يسوع، مع يوسف ونيقوديموس، وشاهدن كيف وُضع جسد يسوع في القبر.
وهكذا دُفن يسوع في قبر منيع. واعتقد تلاميذه والنسوة أن يسوع قد مات وانتهى كل شيء.
«لن يتكلم معنا بعد هذا اليوم. كل ما في داخلنا وحولنا أصبح حزيناً بعد أن تركنا وحدنا».
لقد نسوا جميعهم قول يسوع: «سأموت، ولكني في اليوم الثالث أقوم من بين الأموات».
ولكن قادة الشعب لم ينسوا كلمات يسوع هذه. فذهبوا في صباح اليوم التالي، وكان يوم سبت، إلى الوالي قائلين: «يا سيد، لقد تذكرنا أن ذاك المضل قال وهو حي إنه سيقوم من الأموات في اليوم الثالث. يجب أن نفعل شيئاً».
وتابع الكهنة قولهم: «عندنا فكرة جيدة. مُر بحراسة القبر حراسة مشددة حتى اليوم الثالث، لئلا يسرق تلاميذه جسده، ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى!». فقال بيلاطس: «عندكم حرّاس. اذهبوا واختموا القبر كما تقولون».
توجّه القادة والحرس معاً إلى القبر، وختموا الحجر على باب القبر. وهذا يعني أنه لا يحق لأحد أن يدحرج الحجر ويفتح القبر. وبقي الحرس عند القبر، بينما غادر الكهنة مطمئنين ومعتقدين أن لا شيء يستطيع بعد الآن أن يضعهم في مأزق حرج. وسوف يثبتون أن يسوع قد مات، وأنه سيبقى ميتاً إلى الأبد.
قام الجنود بالحراسة نهاراً وليلاً. كان كل شيء هادئاً يوم السبت، إذ لم يذهب أحد إلى القبر، ولم يحدث شيء.
وفجأة، صباح الأحد، ارتجت الأرض، ونزل ملاك الرب العظيم من السماء، وتقدم نحو القبر ودحرج الحجر. كان الملاك يلمع كالبرق، وثوبه أبيض كالثلج. فارتعب الحرّاس جداً من هذا المنظر، وسقطوا على الأرض كأموات. وبعد أن استعادوا وعيهم هربوا مسرعين إلى المدينة، وأخبروا رؤساء الجنود بما حدث.
تساءل الكهنة: «ماذا نفعل الآن؟». ثم رشوا الجنود بمالٍ كثيرٍ قائلين لهم: «أخبروا الجميع أنه أثناء النوم في الليل أتى تلاميذ يسوع وسرقوا جسده». وقبل الحرّاس المال وفعلوا بما أُمروا به.
عند فجر صباح ذلك اليوم نفسه، توجهت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب، وسالومة، وبعض النساء، إلى قبر الرب. وكن قد اشترين في المساء السابق، بعد انتهاء السبت، حَنوطاً (زيتاً معطراً) ليدهنّ به جسد المسيح حسب التقاليد في ذلك الوقت.
وفي طريقهن قلن بعضهن لبعض: «من سيدحرج لنا الحجر الكبير عن باب القبر؟». وما أن وصلن إلى البستان حتى وقفن مندهشات، لان الحجر كان قد دُحرج عن باب القبر. كيف حدث هذا؟ ومن دحرج الحجر؟
ما أن رأت مريم المجدلية القبر مفتوحاً حتى تركت النسوة الأخريات واقفات، وركضت إلى بطرس ويوحنا وقالت لهما: «لقد أخذوا جسد الرب من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه!».
لكنّ النسوة الأخريات أكملن طريقهن إلى داخل القبر، وارتعبن جداً إذ رأين في الجهة اليمنى شاباً جالساً بثوبه الأبيض الطويل، قال لهن: «لا تخفن أنتن تبحثن عن يسوع الناصري الذي سُمر على الصليب. ليس هو ههنا. لقد قام من الأموات. هوذا الموضع الذي وُضع فيه. اذهبن الآن بسرعة إلى تلاميذه وقلن لهم أنه قد قام من بين الأموات».
وركضت النسوة إلى خارج القبر، مرتجفات من الذعر ولكن ممتلئات بالفرح ولم يستطعن أن يتكلمن حالاً عما عايشنه. لكن قلوبهن تهللت: «المسيح حي! المسيح قام! حقاً قام».
وبعد أن أخبرت التلاميذ بما حدث، أسرعت مريم المجدلية والتلميذان يوحنا وبطرس إلى القبر، فتسابق الرجلان في الجري، إلا أن يوحنا الشاب كان أسرع، فوصل إ لى القبر أولاً. والقى نظرة خاطفة داخل القبر، فرأى قطعة الكتان موضوعة جانباً، ولكنه لم يدخل.
بعد قليل وصل بطرس أكبر التلاميذ، وتوجه حالاً داخل القبر، فرأى أيضاً قطعة الكتان مطوية وموضوعة في مكان من القبر، وأما القماش الذي كان على رأس يسوع فكان موضوعاً في مكان آخر من القبر. وتشجع يوحنا على الدخول، ورأى ثانية كل شيء. فحلّ في قلبه فرح عظيم. وآمن بأنّ يسوع قد قام.
إلى ذلك الحين لم يكن يوحنا قد فهم النبوات عن صلب المسيح وقيامته، مع أنه ذُكر بوضوح أن يسوع سيموت ثم يقوم من الأموات. أما الآن فقد عرف بأنّ المخلص حي، وأنه حقاً قام. وهذه المعرفة جعلته ينظر برجاء وأمل إلى المستقبل.
ورجع مطمئناً، لأنّ القبر لم يعد فيما بعد ذلك المكان المخيف، إذ أنّ يسوع لم يبق فيه. وهكذا عاد يوحنا مع بطرس إلى المدينة، وكله اشتياق وترقب لما سيحدث عما قريب.
أما مريم المجدلية فكانت واقفة عند القبر بمفردها حزينة باكية. إذ أنها لم تكن قد عرفت حتى الآن أن يسوع قد قام. وكانت لا تزال تعتقد أن أحداً حمله بعيداً عن القبر وخبَّأه.
أين تبحث عن يسوع؟ انحنت ونظرت من خلال المدخل المظلم إلى داخل القبر، وإذا برجلين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً.
لقد كانا ملاكين، لكن مريم المجدلية لم تعرف هذا.
وسألها الملاكان: «لماذا تبكين؟». فأجابت: «لقد نقلوا ربي ولا أدري أين وضعوه».
ثم التفتت ورأت شخصاً واقفاً بالقرب منها. كان يسوع ولكنها لم تعرفه بسبب الدموع التي ملأت عينيها.
سألها يسوع: «لماذا تبكين، وعمّن تبحثين؟». لم تدرك مريم أن يسوع هو الذي يتكلم معها، وظنّت أنه البستاني. فقالت منتحبة والدموع تنهمر من عينيها: «يا سيد، هل أنت أخذته؟ قل لي أين وضعته لكي أحضره ثانية».
عندئذ نظر إليها يسوع وقال كلمة واحدة فقط: «مريم».
وفجأة عرفت مريم من الصوت من هو الواقف أمامها. فنادت بفرح عظيم وابتهال: «ربي!».
أرادت أن تمسكه بيديها، لكن يسوع قال لها بلطف: «لا تلمسيني، فأنا لن أمكث هنا، بل سأرجع إلى أبي. ولكن اذهبي إلى تلاميذي وقولي لهم: «إنني ذاهب إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم».
سمعت مريم كلمات ربها وأطاعت. وبذلك أصبحت أول شاهد لبشارة ربها الذي أحبته من كل قلبها. وركضت مسرعة إلى التلاميذ بعد أن انتفى الحزن من قلبها وحَّل مكانه فرح عظيم. وقالت: «رأيت الرب أنه حي، وقد تحدث معي».
ثم أخبرت التلاميذ بكل ما أوصاها به يسوع. ولكنهم لم يثقوا في ما روته بأن يسوع حي، وأنها قد رأته بعينها. لم يصدقوا كلامها ولم يشاركوها فرحها بقيامة يسوع من الموت وبأنه حي. لقد كان عدم إيمانهم عثرة في طريقهم. حتى يوحنا كان لا يزال ينتظر برهاناً لتأكيد إيمانه بأن يسوع حقاً حي.
وفي مساء ذلك اليوم، حيث كان بعض التلاميذ مجتمعين في الغرفة المغلقة خوفاً من القادة الذين صلبوا يسوع، ارتعبوا إذ سمعوا فجأة طرقاً على الباب. ولكنهم تنفسوا الصعداء عندما رأوا تلميذين واقفين هناك. ونادى التلميذان التلاميذ المجتمعين في الغرفة قائلين: «الرب حقاً قام، وقابلنا ونحن في طريقنا إلى عمواس. لم نعرفه في بادئ الأمر. ولكننا عرفناه قبل تناول طعام العشاء عندما أخذ الخبز وشكر وكسر وناولنا لنأكل فانفتحت أعيننا عندئذ».
وفيما التلميذان يتكلمان ظهر فجأة الرب بنفسه بينهم، وحياهم قائلاً: «سلام لكم». فاضطربوا جداً.
كيف يمكن لشخص أن يدخل هذه الغرفة بينما الباب والنوافذ مغلقة؟ لكن يسوع قال لهم: «لا تخافوا! أنا هو! تعالوا وانظروا يديّ ورجليّ». وبينما هو يتكلم معهم أراهم يديه ورجليه حيث كانت ثقوب مسامير الصلب لا تزال ظاهرة.
وإذ التلاميذ في غمرة من الفرح والدهشة وعدم الثقة بأن الذي معهم ويخاطبهم هو يسوع، سألهم: «أعندكم طعام؟» فوقف أحدهم بسرعة وأحضر له قطعة من السمك المشوي وشهد عسل. وأكل يسوع أمام عيونهم جميعاً. عندئذ آمنوا أنه هو الرب. وأدركوا أيضاً أنه قام من الموت، وهو حي. وهذا الإيمان منح حياتهم قوة عظيمة ومعنى جديداً.
جلس يسوع وسط تلاميذه معلماً كعادته. لقد أراد مساعدتهم في اجتياز الأوضاع الصعبة المقبلة عليهم في المستقبل. فلذلك علمهم التوراة أكثر. وقال لهم: «تأملوا ما هو مكتوب في الأنبياء والمزامير، أن المسيح يجب أن يتألم ويُصلب، ويقوم من الموت في اليوم الثالث». وأضاف قائلاً: «يجب توصيل هذه البشارة إلى جميع الأمم ليعرفوا أنه بالمسيح لهم فرصة العودة إلى الله والحصول على مغفرة الخطايا. وأنتم شهود لذلك. لن تقوموا بهذا العمل بقوتكم الذاتية، ولكن أبي سيرسل لكم الروح القدس الذي يقويّكم. وبهذه القوة ستبشرون بما رأيتم وسمعتم مني».
(منقول)