Mesho Dragon
عدد المساهمات : 457 تاريخ التسجيل : 08/03/2011 العمر : 28 المدينة : أبوحمص
| موضوع: كم ضاعت من كرمتنا عناقيد السبت مارس 26, 2011 7:05 pm | |
| لشهر أغسطس طعم خاص جداً فهو شهر الصيف والمرح والمتعة والرحلات والأجازات ولقاء الأهل والأحباء فى رحلات المصايف سواءاً كانت داخلية ببلاد المهجر أو فى أفواج سياحية لبلاد العالم الجميلة بجميع القارات ، ذكريات أغسطس بالنسبة لى لا تنتهى وخاصة ذكريات الطفولة والشباب
وزمن الشقاوة مع أصدقاء الدراسة فى بلدتنا الصغيرة والتى كان يحتضنها النيل الخالد فى أغسطس وكأنه الحبيب الذى يشتاق الى حبيبته فى زيارة سنوية فى كل موسم فيضان النيل، فى فترة ما قبل السد العالى كان نهرالنيل يعلو ويطغى على الشاطىء الغربى له وهوبداية حدود بلدتنا حيث هو السهل والمنبسط بجنات وحدائق وغيطان كريمة بخيراتها لأصحاب بلدتنا الوادعة الصغيرة وكان يصل الفيضان الى حدود الجسر والذى كان منزل العائلة الكبير القديم يمتلك كل الناصية الشرقية من الجسر ويتحول الجسر الى شاطىء وكأنه شاطىء الأسكندرية من ضخامة الفيضان والذى كان يأتى بالخير والطمى للأرض يجدد شبابها ويحى أرجائها، كنت أنتظر هذا الشهر الجميل لكى أتمتع مع أولاد أعمامى وعماتى باللهو والسهر فى هذه الأرجاء الساحرة ، ومازالت فى مخيلتى صورة عناقيد العنب المتدلية من تكعيبة العنبة الكبيرة والتى كانت تمتد فوق البهو الكبير والذى يتسع لأكثر من مصطبة من الطين كنا نفرشها بالسجاجيد والأكلمة المصنوعة من القماش ، كانت جلسة المصطبة فى ساعة العصارى تساوى كل سحر وجمال الكون بالنسبة لنا حيث يمتد الحديث والحوار والقصص واللعب بالدومينه والطاولة والشطرنج، كانت أجمل ساعات عندى الساعات التى كنت أتمدد على المصطبة وأتابع تحركات أوراق العنب الكبيرة وهى تتراقص مع نسمات النيل الساحرة وتشكل مع أشعة الشمس والظلال أشكالا لا توصف من الجمال وتشدو معها العصافير تشكر الرب القدير وتشكر كرمنا على الوجبات الشهية من العنب والتوت، كانت كل متعتنا ونافذتنا على العالم هو الراديو الترانزيستور وهو يلعلع بأبدع الأغانى مثل الأطلال للست ثومه وآدى الربيع لفريد الأطرش وسواح لعبد الحليم وحبيتك فى الصيف وشايف البحر لقيثارة السماء فيروز وأنا قلبى دليلى لليلى مراد ويامه القمر ع الباب لفايزه أحمد وبرنامج على الناصيه المشوق ولغتنا الجميلة حيث نتثقف ونتمتع بصوت فاروق شوشه العميق القوى، ظلت مناظر عناقيد العنب المتدلاة كالثريات من خلال فتحات التكعيبة العالية والتى كانت بإرتفاع الطابق الثانى موازية الى البلكونة الخشبية الضخمة التى كانت مجلس جدى وهو يتابع من خلالها ما قد يجرى من أحداث الفيضان لخوف الناس من أن يزيد مستوى المياه عن الحد العادى لمقدرة احتمال الجسر الذى يحمى البلدة والمنازل وحظائر المواشى ، ظلت هذه اللحظات من شهر أغسطس عالقة فى عقلى حتى تمكنت أن أزرع شجراً للعنب فى بلاد المهجر بدون جسر ولا فيضان ولكن فى أراضى العم سام فى الحديقة الخلفية لمنزلى الصغير ، كنت أعرف أننى سأصبر طويلاً وأنا أزرع شتلات العنب والتى أحضرتها من مزارع خاصة من الساحل الشرقى الأمريكى مشهورة بالجودة ، وفعلاً صبرت ما يقارب عشر سنوات حتى كبرت الجذور والأغصان والتى كانت تكافح البرد والجليد والجفاف طوال الشتاء وتعود لكى تذدهر وتخضرفى بداية كل ربيع وتظل خضراء يانعة الى نهاية الخريف ، صنعت للشجرات تكعيبات صغيرة ليست فى حجم تكعيبة بيت جدى ولكنها تكعيبات متواضعة تذكرنى بالماضى الجميل ،تحملت الكثير من الشقاء فى رعاية شجيرات العنب وفرحت كثيراً هذا العام بعناقيد العنب وهى تتدلى من خلال التكعيبة لتذكرنى بنفس المنظر ولكن بدون فيضان ولا مصاطب ولا مرح ولا صحبة أولاد الأعمام والعمات والأصدقاء من جيران بيت جدى، ما أمتعها أيام ولكن الآن أصبحت أنا الجد ولكننى لست الجد أبو جلابيه وعباية وقفطان حرير وعصاية أبانوس ولكننى الجد الذى يلبس الشورت والكاب وحوله الأحفاد أطفالاً دون الثامنة من العمر وهم يمسكون بالأجهزة الحديثة (D.S.I.X.L ) يلعبون بها الجيمز حيث تجرى أصابعهم الرقيقة فوق أزرارها ومن خلال شاشاتها الصغيرة يعرفون كل شىء فى الكون ويدخلون على الأنترنت ويتبادلون الرسائل ويلتقطون بها الصور ويخزنونها داخل هذه الأجهزة السحرية ، تحدثت مع أحفادى عن ذكرياتى مع عناقيد العنب وعن منزل جدى الكبير وعن متعتنا يوم كنا نجنى الثمار الشهية وكيف كان ينصحنا جدنا بأن نتوخى الحذر أثناء قطع العناقيد لأن من زرع هذه الكرمة شقى وتعب وكافح وراعاها سنين طويلة حتى طرحت هذه الثمار الشهية والتى نقطفها الآن بكل سهولة، فزارع العنب والنخيل الذى يعلم جيداً انه يزرعها ليس لنفسه ولكنها الى أجيال قادمة لتجنى ثمارها الشهية وتذكرت من خلال كلماتى الى أحفادى كرمة الهيئات القبطية والتى زرعها الدكتور شوقى كراس ومن بعده المهندس عدلى أبادير رحمهما الله ، تذكرت كرمتهما القبطية وكيف تعبا وشقيا ولم يبخلا بالجهد ولا بالمال ولا بالصحة والعمر نفسه فى سبيل اذدهار كرمتنا القبطية الحقوقية فى سائر أرجاء المهجر. تذكرت مشوار العمل القبطى بالمهجر مؤتمرات وأجتماعات وقرارات وقضايا حقوقية بدأت ولم تنتهى بعد ، حقوق ضائعة لأقباط مصر نحاول أن نستردها وعقبات ومصاعب كثيرة لم ولن تنتهى وتنهدت حزيناً قائلاً ( كم ضاعت من كرمتنا عناقيد ؟)
تاريخ نشر الخبر : 16/08/2010 | |
|